Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

maroc

Archives
Derniers commentaires
17 octobre 2006

نظام الحكم في تاريخ الفكر الاسلامي

ان انظمة الحكم واساليب السيطرة على مقاليد الحكم تأخذان صورة وطبيعة البنية الاجتماعية في البلاد، ولا شك انهما تتأثران بشكل رئيس بطبيعة الفكر المهيمن آنذاك، وهذه ليست فكرة افتراضية بل هي نتيجة منطقية لمقدمة تاريخية صادقة، ويمكن الاستدلال على صحتها عن طريق النظر الى حكم الامم عبر التاريخ، وبحسب التقسيم الثلاثي للعالم (الشرق الاقصى / الشرق الاوسط / الغرب).

فاننا نجد اساليب الحكم في الشرق الاقصى قديما تتخذ صورة السلالات الملكية والامبراطورية الحاكمة عن طريق نظام الوراثة او السيطرة على الحكم بالانقلاب العسكري، ومن ثم العودة الى نظام الوراثة، ومعنى ذلك ان الاسرة الاقوى هي التي تسيطر على الحكم.

واذا نظرنا الى الجانب الاقتصادي في بلاد الشرق الاقصى نجده خاضعا ـ ايضا ـ الى نظام سيطرة الاسر المالكة، وهذا ناتج عن طبيعة البنية الاجتماعية في هذه البلاد التي تتمظهر فيها غلبة العنصر الاسري في تشكيل البنية الاجتماعية، وان هذه الظاهرة الاجتماعية غير بعيدة عن المبدأ البوذي الذي يقول بأن القوة تكمن في اتحاذ الاجزاء في عنصر واحد، وينتهي هذا المبدأ الى فكرة وحدة الكون او ان الصورة المجزأة من مجموعة العناصر تشكل بالنتيجة وحدة الوجود، ولا يكتسب العنصر او الجزء تفرده الا من خلال اهميته في هذه الوحدة.

وقد رسخ لدى السلطة الدينية في الشرق الاقصى ان القوة والحكمة يمنحها الرب للاجدر، ولذلك اكتسبت السلطة السياسية الحاكمة قدسيتها من قوتها ومنزلتها وهذا ما يفسر لنا انفصال السلطة السياسية الحاكمة عن السلطة الدينية في معظم بلاد الشرق الاقصى.

واذا انتقلنا الى الجهة الثانية من العالم، نجد ان انظمة الحكم وطرق الوصول اليه عند الاغريق تتخذ شكلا فرضته طبيعة الصراع السياسي بين الجزر الاغريقية والتأثر بالتيار السائد في الفكر آنذاك اذ ان اساليب ادارة تلك الجزر شبيهة بالنظام الفيدرالي وان تعدد المدن والجزر اليونانية ادى الى تلاشي الانظمة القبلية فتغلبت سيادة القانون على مفهوم العنصر الذي تفرزه الميول الاجتماعية بالمعنى الضيق لها، ونتيجة لهذين الامرين ظهر النظام الديمقراطي في الحكم ومبدأ الاختيار او الانتخاب للادارة احاكمة، وبقيت المؤسسة الدينية بعيدة عن سلطة الحكم لاسباب عدة اهمها سببان هما:

1. ظهور النمط العقلي المنطقي في التفكير الذي افرزته حركة الجدل الفلسفي الذي يبحث عن الحقيقة وبالتالي تفوق نمط التفكير المنطقي على الفكر الديني اليوناني.

2. ان عقيدة تعدد الالهة الاغريقية وتعدد المعابد وفكرة توزيع النعم والنقم بين هذه الالهة وكذلك الايمان بالصراع بينهما وسمت الفكر الديني الاغريقي بالتفكك والجنوح نحو التخيل والتصور الخرافي لتفسير الظواهر الطبيعية والمادية، وكذلك عدم الايمان     دينيا بقدسية مبدأ الوحدة فانعكس ذلك كله على رؤية المؤسسة الدينية للسلطة السياسية.

ولو عدنا الى منطقة الشرق الاوسط قبل الميلاد، فاننا نجدها تميزت بان كانت اول واقدم ارض تشهد تكوّن الدول وهي بلاد وادي الرافدين متمثلا بالدولتين الاكدية والاشورية وكذلك بلاد وادي النيل المتمثلة بحكم الفراعنة لمصر، وهناك دولة مجاورة وهي بلاد فارس. وقد كان الحكم في مصر وبلاد فارس يتبع نظام الوراثة ضمن الاسرة الواحدة، وكان الحكم في بلاد الرافدين يتبع نظام السلالات الحاكمة، ولكنها تميزت من الدولتين المجاورتين لها بانها اول من صيّر الانظمة القانونية واصبحت سيادة القانون بمثابة الدستور في وادي الرافدين، فضلا عن كون السلطة الحاكمة بعيدة عن تأثير الفكر الديني للاسباب نفسها التي جعلت من المؤسسة الدينية عند الاغريق غير قريبة من السلطة السياسية. وان هذه اختلفت عن السلطة السياسية في بلاد وادي الرافدين لان هذه الاخيرة بنت هياكلها الادارية وحشودها العسكرية على اسس اقرب  الروابط والعلاقات بين التجمعات السكانية والقبلية.

اما نظام الحكم في مصر فقد استأثر الفراعنة بالسلطتين السياسية والدينية، ولم تكن مصر تحتفي برابطة الدم او روابط القربى القبلية، ونتيجة لذلك لم يبن الهيكل الاداري على اسس تعتمد الصلات القبلية.

واذا انتقلنا الى العصر الوسيط، نجد ان بلاد اوروبا خضعت للسلطة الدينية المتمثلة بالكنيسة التي كانت تهيمن على الخطوط الرئيسة في ادارة الشؤون السياسية.

اما البلاد العربية فقد تشرفت بظهور الدين الاسلامي الحنيف، هو الثورة العقيدية الشاملة التي غيرت من مظاهر الحياة العربية الكثير، اذ نقلت حالة التشتت الى حضارة مدنية واصبح هناك دولة لها كيانها الاداري والعسكري وتوجهها السياسي المنظم.

الاسلام دين ولا شك ان تكون السلطة السياسية فيه متوحدة مع السلطة الدينية. الا ان هذا الامر لم يدم طويلا و”ان ادارة الدين وادارة الملك لم تتخد في الاسلام اتحادا تاما الا في عهد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز فقط... ثم افترقت الخلافة عن الدين”(1) ولا يعني هذا ان نظام الحكم في العصرين (الاموي والعباسي) انفصلا عن الدين بالمعنى العلماني الحديث، بل اخضعت السلطة السياسية في العصر الاموي الدين الى سياسة الدولة، بل وظفت هذه السلطة مذهب الجَبر من اجل خدمة اهدافها وتبرير وجودها وتسويغ استمرارها، وقد اعتمد الامويون تقريب العنصر العربي واعطائه الاولوية في المناصب الادارية والعسكرية والقضائية (المهمة) بحسب قرب الدم والعشيرة، وقد افضى هذا الامر الى الانهيار والاندحار امام الثورة العباسية التي حشد لها العباسيون بالتعاون مع المسلمين من العلويين والقريشيين ومَنْ آزرهم من الموالي ومن مسلمي خراسان امثال ابي مسلم الخراساني وابي موسى الاشعري وقد استمر امر تولي الخلافة عن طريق تولية العهد التي تتحكم بها الوراثة او نسبة قرب الدم.

واستمر ايضا خضوع المؤسسة الدينية لاهواء السلطة الحاكمة، وكذلك توظيف المذاهب بمقولاتها ومناهجها الفكرية، وجعلها وسيلة سياسية للرد على الخصوم، وتفنيد حجج المطالبين بالملك. وبعد انتهاء حكم العباسيين وحكم الامارات والدويلات الصغيرة وتحديدا بعد سقوط بغداد، بدأ الشعور بضرورة العودة الى التمسك بالدين الاسلامي وضرورة تجديد الفكر بما يتلاءم والمرحلة التي تتطلب الاصلاح السياسي، فذهب الشيخ احمد تقي الدين (الملقب بابن تيمية) الى ان :(صلاح اولي الامر ضرورة لصلاح الامة واولو الامر صنفان: الامراء والعلماء، وهم الذين اذا صلحوا صلح الناس)(2)، فقد أوكل للعلماء مهمة اصلاح العملية السياسية وهذه مسؤولية شرعية فضلا عن كونها مسؤولية وظيفية او اخلاقية، وليس غريبا على تاريخ الفكر الاسلامي ان يكون للناس دور في خوض العملية السياسية بوصفهم اصحاب الشريعة، (فالشريعة في هذا الميدان بيد الامة والامة لا تجتمع على ضلال فلها بعد ذلك ان تحاكم السلطان والصعلوك، وعليها ان تسهر على مراقبة سير حكومتها ولا تغفل طرفة عين)(3).

وان تولية الامر السياسي للعلماء والناس يجعل منهم اصحاب الشريعة، اي ان لهم الحق في اختيار رئيسهم ومراقبة ومتابعة سير حكمه ليس بالجديد، على تاريخ الفكر الاسلامي، ففي احاديث شريفة يمكن ان نضع ايدينا على المقاييس التي في ضوئها يجب ان ينتخب القائد، اذ ينقل لنا الامام الرضاu عن الامام السجادu طريقة النظر في انموذج القائد المنتخب. ومن هذه المقاييس وقولهu (ولكن الرجل كل الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لامر الله وقواه مبذولة في رضا الله يرى الذل مع الحق اقرب الى عز الابد مع العز في الباطل... فذلكم الرجل نعم الرجل فبه تمسكوا وبسنته فاقتدوا...)(4).

ويظهر من هذا النص ان للناس حق الاختيار والتأني فيه وكذلك اختيار ومراقبة الرئيس او القائد، اذ يقول الامامu :(اذا رأيتم الرجل قد حَسُنَ سمته وهديه، وتماوت في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويدا لا يغرنكم، فما اكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب المحارم منها لضعف بنيته ومهانته وجبن قلبه، فنصب الدين فخا لها فهو لا يزال يختل الناس بظاهره، فان تمكن من حرام اقتحمه... فاذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا أمع هواه يكون على عقله، او يكون مع عقله على هواه... فكيف محبته للرئاسات الباطلة، وزهده فيها، فإن في الناس من خسر الدنيا والاخرة، يترك الدنيا للدنيا ويرى لذة الرياسة الباطلة أفضل من لذة الاموال والنعم    المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة، حتى اذا قيل له أتق الله اخذته العزة بالاثم...)(5).

ونستشف من هذين النصين ان الامر بالحكم لا يعتمد على القرار المنفرد للحاكم بل يجب ان يسمع من غيره ويستشير، ويعني هذا ان امر الحكم لا يعود للفرد (الحاكم) بل هناك جهة معتمدة في المشاورة وهذا جزء من مفهوم الشورى، اذ قال سبحانه وتعالى يأمر رسوله الكريم بالشورى، والاستشارة مع اصحابه، اذ قال ((فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين))(6) .

على الرغم من ان الرسول (ص) معصوم ومسدد بالوحي حتى قال سبحانه وتعالى ((وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى))(7)، ويقول آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي تعليقا على قوله تعالى ((وشاورهم في الامر)): (ان الرسول الاعظم (ص) مع انه معصوم وكان اعقل الناس ومتصلا بالوحي كان يستشير حتى في الامور العرافية والشخصية فكيف بالامور المهمة التي تعم الجميع... وبتتبع قليل واستقراء ناقص وجدت ان التاريخ اثبات الاستشارة من الرسول الاعظم (ص) في ثمانية عشر موضعا، فانه (ص) كان يستشير حتى النساء(8).

ولذلك وفي مرحلة العودة الى اصول الدين نجد ابن تيمية ينادي بالشورى والانتخاب وسيلتين من وسائل الاصلاح السياسي (فلا غنى لولي الامر عن المشاورة)(9) و(ان الامامة لا تتم الا بالاختيار واهل الاختيار هم اهل الشوكة والجمهور والسواد الاعظم، فالامامة تنعقد بموافقة اهل الشوكة الذين يحصل بهم مقصود الامامة، وهو القدرة والتمكين، ولهذا يقولون: من صار له قدرة سلطان يفعل به مقصود الولاية فهو ولي الامر المأمور بطاعته ما لم يأمر بمعصية الله)(10).

ويرى ضرورة اجماع اهل العقد والحل (اهل الشوكة) في اختيار الخليفة فيقول: (فلا يشترط في صحة الخلافة الا اتفاق اهل الشوكة والجمهر)(11)، ومع ذلك لا يقدح في اتفاق اهل (الحل والعقد) شذوذ من خالف(12)، لان الاجماع المعتبر في الامامة لا يضر فيه تخلف الواحد والاثنين، ولو اعتبر ذلك لم تنعقد امامة(13).

وهكذا نجد في كلام ابن تيمية تفصيلا لما ذكر مجملا في النصوص والتعاليم الاسلامية مثل قوله تعالى ((وامرهم شورى بينهم))(14)، او قول الامام عليu :(الولايات مضامير الرجال)(15).

وفي العصر الحديث واجهت الشعوب العربية الاسلامية واقع الاحتلال العثماني فبدأ المفكرون المسلمون الاحساس بالحاجة الى تنشئة المجتمع على اسس عقلية، وقد دفع واقع الامر هؤلاء المفكرين نحو المسألة السياسية، ونرى ان هذه الرؤيا تفسر الى حد بعيد هيمنة البعد السياسي على الاتجاه الفكري الاسلامي الحديث (اي قيامه على اشكالية صريحة الطابع السياسي حتى في ثوريتها النظرية)(16)، وقد رأى المفكرون الاسلاميون ان اعادة تنظيم السلطة تشكل بالاساس في عملية التغيير الشاملة (وفي تصورهم ان السلطة يجب ان تنظم على وفق مفاهيم ومتطلبات العصر، فضلا عن كونها تعتمد الاسس الشرعية وان الجمع بينهما لا يتعارض مع الدين)(17)، فالدين نفسه اصبح ذا وظيفة اجتماعية صريحة اتخذت شكل الوظيفة السياسية الخالصة (فالمنحى التطوري للاساس السياسي قد انتهى بالمفكرين الاسلاميين الى الاعتقاد بان المجتمع العربي لا يستطيع ان ينهض ويتقدم الا اذا وضع حدا لحالة الفصام بين الحياة السياسية ـ الاجتماعية، ونظم الاسلام الفقهية ـ القانونية)(18).

واننا لنجد ان امر المجتمع والسياسة شيئان متلازمان في الفكر الاسلامي، اذ وجد المفكرون ان سبب التخلف والضعف والفساد الذي لحق المجتمع هو الفساد السياسي الذي لا بد من تغييره عن طريق العودة الى المبادئ الاسلامية التي لم تكن الغاية الاساسية منها البحث عن نظرية جديدة لتنظيم السلطة (بل للبحث عن مرادفات تترجم ما يدعون للاخذ به من مؤسسات يعاد بموجبها تنظيم السلطة، فترجموا الديمقراطية (الشورى) والنواب بـ(اهل العقد والحل) ومراقبة السلطة بـ(الاحتساب))(19).

وقد أكد المفكرون الاسلاميون جميعهم باختلاف منطلقاتهم واتجاهاتهم على مبدأ الشورى، وان الرئاسة تنعقد بالاختيار(20)ـ تحديداً ـ ولكنهم اضافوا تفصيلات على الجهة البرلمانية التي تسمى بـ(اهل العقد والحل) او (اهل الشوكة)، فهم عند الكواكبي رؤساء الامة وممثلوها ويجري انتخابهم قبل اختيار او انتخاب الامام الرئيس. وعليهم ان ينظموا للانتخاب ويشرفوا عليه، وينبغي على الامام مشاورتهم في امور الدولة والرعية، فلهؤلاء شرعا حق مساءلة الحاكم وارشاده في القول والعمل(21)، ويشترط الشيخ محمد عبدة ان يكون هذا المجلس البرلماني متكونا من العلماء والعارفين بالشريعة من الصفوة المستثرة والى جانب هؤلاء ممن يملكون مقاليد السياسة ويشترط فيهم الحس الوطني وامتلاك الوعي السياسي الذي يسميه (الادب السياسي)(22).

ويرى ابن باديس هذا البرلمان يتكون من علماء الشريعة المتخصصين والمثقفين والمفكرين واصحاب الرأي السياسي(23)، وعن طريق تمثيل اعضاء البرلمان للشعب، تبقى السلطة للامة، بحيث تتولى تعيين (اهل العقد والحل) اعضاء البرلمان ـ منها ـ  بالطريقة ـ التي تقتضيها التطورات التاريخية والاجتماعية والسياسية وذلك بمقتضى الشريعة وروح العصر. ولهذا يكون العمل والمشاركة السياسية واجبا قبل ان تكون حقا ـ على كل فرد من افراد الامة(24)ـ لان هذا العمل يجعل الفرد يراقب السلطة واعمالها وبالتالي يحقق المصلحة العامة. وهذا يفرض اشتراك الجميع في انتخاب السلطة لانها ستكون ممثلا لاهدافهم ومصالحهم وان (الحكم يجب ان يكون مبنيا على اساس الاشتراك المقبول بين الامة ورؤسائها)(25).

فحق الامة في اختيار من يحكمها ويسير شؤونها يتحقق اذا ادركت المعنى الحق للشورى، وحق الانتخاب، او مفهوم الديمقراطية الرشيدة(26).

الهوامش:

1. ام القرى، عبد الرحمن الكواكبي، 168-169.

2. السياسة الشرعية، 170.

3. طبائع الاستبداد، عبد الرحمن الكواكبي، 135-136.

4. بحار الانوار، ج71، 185.

5. وسائل الشيعة، ج5، 394.

6. سورة آل عمران، 159.

7. سورة النجم، 2-3.

8. لماذا يحاربون القرآن؟، 19.

9. السياسة الشرعية، ابن تيمية، 169.

10. مختصر منهاج السنة، ابن تيمية، 85.

11. المصدر نفسه، 475.

12. المصدر نفسه، 549.

13. المصدر نفسه، 456.

14. سورة الشورى:38.

15. نهج البلاغة، قصار الحكم، 441.

16. مقدمات لتحليل الخطاب السياسي العربي، عبد الاله بلقزيز، مجلة المستقبل العربي، ع123، 8.

17. الحزبية في الفكر السياسي العربي الاسلامي الحديث، سعدي كريم سلمان، 212.

18.اسس التقدم عند مفكري الاسلام في العالم العربي الحديث، فهمي جدعان، 544.

19. الاسلام والدولة الوطنية، علي اومليل، مجلة الفكر العربي، ع33، 443.

20. ينظر مثلا: (طبائع الاستبداد، عبد الرحمن الكواكبي، 337؛ والاعمال الكاملة لمحمد عبدة، ج1، 354 وج3، 285؛ ومجلة المنار، الاصلاح الديني المقترح، م1، 39، عام 1898، ص765-766؛ وينظر: اثار ابن باديس، عبد الرحمن بن باديس، ج1، 410-412؛ والنقد الذاتي، علال الفاسي، 156؛ ونداء القاهرة، علال الفاسي، 68؛ وكتاب الشورى في الاسلام لاية الله العظمى الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي الذي يذهب فيه الامام الى ان الاخذ بنظام الشورى واجب وتطبيقه ملزم؛ وينظر: القيادة السياسية في المجتمع الاسلامي لاية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، 32؛ وكتاب الشورى والديمقراطية للدكتور محسن باقر الموسوي.

21. ام القرى، عبد الرحمن الكواكبي، 180-181.

22. الاعمال الكاملة، محمد عبدة، ج1، 375.

23. مجلة الشهاب، م13، ع مارس، 248.

24. مقاصد الشريعة، علال الفاسي، 208.

25. المصدر نفسه، 154.

26. ينظر: العراق ما بعد الاستبداد، د. محسن باقر الموسوي، 80-83.

Publicité
17 octobre 2006

شجرة الدر.. السلطانة الحكيمة

لقي السلطان "الصالح أيوب" ربَّه في ليلة النصف من شعبان (سنة 647هـ) والقوات الصليبية تزحف جنوبًا على شاطئ النيلpic15 الشرقي لفرع

دمياط؛ للإجهاز على القوات المصرية الرابضة في المنصورة، وكانت

إذاعة خبر موت السلطان في هذا الوقت الحرج كفيلة بأن تضعف

معنويات الجند، وتؤثر في سير المعركة.

ويذكر التاريخ أن شجرة الدر وقفت موقفًا رائعًا، تعالت فيه على

أحزانها، وقدمت المصالح العليا للبلاد، وأدركت خطورة الموقف العصيب، فأخفت خبر موته، وأمرت بحمل

جثته سرًا في سفينة إلى قلعة الروضة بالقاهرة، وأمرت الأطباء أن يدخلوا كل يوم إلى حجرة السلطان

كعادتهم، وكانت تُدخل الأدوية والطعام غرفته كما لو كان حيًا، واستمرت الأوراق الرسمية تخرج كل يوم

وعليها علامة السلطان.

وتولت شجرة الدر ترتيب أمور الدولة، وإدارة شئون الجيش في ميدان القتال، وعهدت للأمير "فخر الدين

" بقيادة الجيش، وفي الوقت نفسه أرسلت إلى توران شاه ابن الصالح أيوب تحثه على القدوم ومغادرة حصن

كيفا إلى مصر، ليتولى السلطنة بعد أبيه. وفي الفترة ما بين موت السلطان الصالح أيوب، ومجيء ابنه توران

شاه في (23 من ذي القعدة 648هـ = 27 من فبراير 1250م)، وهي فترة تزيد عن ثلاثة أشهر، نجحت

شجرة الدر في مهارة فائقة أن تمسك بزمام الأمور، وتقود دفة البلاد وسط الأمواج المتلاطمة التي كادت

تعصف بها، ونجح الجيش المصري في رد العدوان الصليبي، وإلحاق خسائر فادحة بالصليبيين، وحفظت

السلطنة حتى تسلمها توران شاه الذي قاد البلاد إلى النصر.

التخلص من توران شاه

بعد النصر تنكر السلطان الجديد لشجرة الدر، وبدلاً من أن يحفظ لها جميلها بعث يتهددها ويطالبها بمال أبيه،

فكانت تجيبه بأنها أنفقته في شئون الحرب، وتدبير أمور الدولة، فلما اشتد عليها ورابها خوف منه ذهبت إلى

القدس خوفًا من غدر السلطان وانتقامه.

ولم يكتف توران شاه بذلك، بل امتد حنقه وضيقه ليشمل أمراء المماليك، أصحاب الفضل الأول في تحقيق

النصر العظيم، وإلحاق الهزيمة بالحملة الصليبية السابعة، وبدأ يفكر في التخلص منهم، غير أنهم كانوا أسبق

منه في الحركة وأسرع منه في الإعداد، فتخلصوا منه بالقتل.

ولاية شجرة الدر

وجد المماليك أنفسهم في وضع جديد، فهم اليوم أصحاب الكلمة الأولى في البلاد، ومقاليد الأمور في أيديهم،

ولم يعودوا أداة في يد من يستخدمهم لتحقيق مصلحة أو نيل هدف، وعليهم أن يختاروا سلطانًا للبلاد، وبدلاً

من أن يختاروا واحدًا منهم لتولي شئون البلاد اختاروا شجرة الدر لتولي هذا المنصب الرفيع. ويتعجب المرء

من اختيارهم هذا، وهم الأبطال الصناديد، والقادة الذين مشى النصر في ركابهم.

ولم تكن شجرة الدر أول امرأة تحكم في العالم الإسلامي، فقد سبق أن تولت "رضية الدين" سلطنة دلهي،

واستمر حكمها أربع سنوات (634-638هـ/1236-1240م).

"وشجرة الدر" من أصل تركي وقيل أرمينية، وكانت جارية اشتراها السلطان الصالح أيوب، وحظيت عنده

بمكانة عالية حتى أعتقها وتزوجها وأنجبت منه ولدًا اسمه خليل، توفي في صفر، وفي (2 من صفر 648هـ = مايو 1250م).

أخذت البيعة للسلطانة الجديدة، ونقش اسمها على السكة (النقود) بالعبارة الآتية "المستعصية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين".

تصفية الوجود الصليبي

وما إن جلست شجرة الدر على عرش الحكم حتى قبضت على زمام الأمور، وأحكمت إدارة شئون البلاد،

وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد، وإدارة مفاوضات معه، انتهت بالاتفاق مع

الملك لويس التاسع الذي كان أسيرًا بالمنصورة على تسليم دمياط، وإخلاء سبيله وسبيل من معه من كبار

الأسرى مقابل فدية كبيرة قدرها ثمانمائة ألف دينار، يدفع نصفها قبل رحيله، والباقي بعد وصوله إلى عكا،

مع تعهد منه بعدم العودة إلى سواحل الإسلام مرة أخرى.

غير أن الظروف لم تكن مواتية لأن تستمر شجرة الدر في الحكم طويلاً، على الرغم مما أبدته من مهارة

وحزم في إدارة شئون الدولة، وتقربها إلى العامة، وإغداقها الأموال والإقطاعات على كبار الأمراء، فلقيت

معارضة شديدة داخل البلاد وخارجها، وخرج المصريون في مظاهرات غاضبة تستنكر جلوس امرأة على

عرش البلاد، وعارض العلماء ولاية المرأة الحكم، وقاد المعارضة "العز بن عبد السلام"؛ لمخالفة جلوسها

على العرش للشرع. وفي الوقت نفسه ثارت ثائرة الأيوبيين في الشام لمقتل توران شاه، واغتصاب المماليك

للحكم بجلوس شجرة الدر على سُدَّة الحكم، ورفضت الخلافة العباسية في بغداد أن تقر صنيع المماليك، فكتب

الخليفة إليهم: "إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلاً".

تنازل عن العرش

ولم تجد شجرة الدر إزاء هذه المعارضة الشديدة بدًا من التنازل عن العرش للأمير عز الدين أيبك أتابك

العسكر، الذي تزوجته، وتلقب باسم الملك المعز، وكانت المدة التي قضتها على عرش البلاد ثمانين يومًا.

وإذا كانت شجرة الدر قد تنازلت عن الحكم والسلطان رسميًا، وانزوت في بيت زوجها، فإنها مارسته بمشاركة

زوجها مسئولية الحكم، وخضع لسيطرتها، فأرغمته على هجر زوجته الأولى أم ولده عليّ، وحرّمت عليه

زيارتها هي وابنها، وبلغ من سيطرتها على أمور السلطان أن قال المؤرخ الكبير "ابن تغري بردي": "إنها

كانت مستولية على أيبك في جميع أحواله، ليس له معها كلام".

وفاة شجرة الدر

غير أنه انقلب عليها بعدما أحكم قبضته على الحكم في البلاد، وتخلص من منافسيه في الداخل ومناوئيه من

الأيوبيين في الخارج، وتمرس بإدارة شئون البلاد، وبدأ في اتخاذ خطوات للزواج من ابنة "بدر الدين لؤلؤ"

صاحب الموصل، فغضبت شجرة الدر لذلك؛ وأسرعت في تدبير مؤامرتها للتخلص من أيبك؛ فأرسلت إليه

تسترضيه وتتلطف معه، وتطلب عفوه، فانخدع أيبك لحيلتها، واستجاب لدعوتها، وذهب إلى القلعة، حيث لقي

حتفه هناك في (23 من ربيع الأول 655هـ= 1257م).

أشاعت شجرة الدر أن المعز أيبك قد مات فجأة بالليل، ولكن مماليك أيبك لم يصدقوها؛ فقبضوا عليها،

وحملوها إلى امرأة عز الدين أيبك التي أمرت جواريها بقتلها بعد أيام قليلة، وألقوا بها من فوق سور القلعة،

ودُفنت بعد عدة أيام.. وهكذا انتهت حياتها على هذا النحو بعد أن كانت ملء الأسماع والأبصار، وقد أثنى

عليها المؤرخون المعاصرون لدولة المماليك، فيقول "ابن تغري بردي" عنها: "وكانت خيّرة دَيِّنة، رئيسة عظيمة

في النفوس، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البر، معروفة بها…".







































    
Publicité
Publicité